الاستعمار بأوجهه- من التسلط القديم إلى الهيمنة الجديدة
المؤلف: صدقة يحيى فاضل11.22.2025

من النتائج الوخيمة والآثار الخطيرة الناجمة عن التفاوت الشاسع في قوة الدول، تبرز بوضوح ظاهرة الاستعمار بأوجهها المختلفة، سواء أكانت قديمة أم حديثة. فالدول ذات النفوذ القوي، في الغالب الأعم، تميل إلى ممارسة التسلط والسيطرة على الدول الأقل قوة، وذلك بهدف استغلال مواردها والتحكم في مساراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فتظهر قوى استعمارية، تتسم بنزعات توسعية تتجاوز حدودها الإقليمية، وتستغل تفوقها العسكري والاقتصادي، وضعف الآخرين النسبي، لتحقيق ما تطلق عليه تسمية "المصالح الحيوية". وغالباً ما تتمثل هذه المصالح في استنزاف ثروات الدول الأخرى، ومصادرة سيادتها وإرادتها الحرة، وتوجيه الأمور الداخلية بما يتماشى مع أطماع الدولة المهيمنة، حتى وإن كان ذلك على حساب المصلحة العامة للبلدان الرازحة تحت نير الاستعمار. وإذا كانت العلاقات الدولية تشوبها الفوضى، ويحكمها منطق القوة الغاشمة، الذي يتيح للدول القوية استغلال الدول الضعيفة، فإن القوانين والأعراف الدينية والإنسانية، بل والقوانين الدولية الحديثة، تجرم مثل هذه التصرفات الاستغلالية، وتقف سداً منيعاً ضد استغلال واستعباد الآخرين. وعلى الرغم من ذلك، فإن الدول القوية المتنفذة، الطامحة في التوسع الخارجي، لا تزال تمارس هذا التسلط، الذي يفرضه الواقع الدولي المرير، وتحاول جاهدة إخفاء هذه الممارسات الاستغلالية تحت ستار من الحجج والتبريرات الواهية.
تعتبر هذه الظاهرة الاستعمارية قديمة قدم التاريخ البشري والدول، وإن تباينت أشكالها وأساليبها عبر العصور والظروف المختلفة. إلا أن ظاهرة الاستعمار، في العصر الحديث والمعاصر، ارتبطت بشكل وثيق بحركة التوسع الأوروبي والغربي في مناطق العالم النامي، أو ما يعرف بالجنوب. فمنذ مطلع القرن السابع عشر الميلادي، شرع الأوروبيون في استعمار مناطق واسعة من العالم النامي، بالقوة العسكرية الغاشمة، وإخضاعها لحكمهم المباشر، وذلك بهدف استغلال إمكاناتها ومواردها المختلفة لصالح المستعمر الغربي. وقد أدت ظروف الحرب العالمية الثانية، وقيام منظمة الأمم المتحدة، بميثاقها الذي يدعو إلى تصفية الاستعمار، وضمان حق تقرير المصير لشعوب العالم، إلى توقف هذه الحركة الاستعمارية الظاهرة. ونتج عن رفض الاستعمار واستنكاره ومقاومته حركة تصفية دولية كبرى لهذا الاستعمار، الذي كان يعتمد على الاحتلال العسكري المباشر لبعض الدول والبلدان، وحكمها مباشرة لصالح المستعمِر، والذي يشار إليه الآن في أدبيات العلاقات الدولية بمصطلح "الاستعمار القديم".
وهكذا، انقضى عهد الاستعمار التقليدي، وبدأ عصر الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاعتماد المتبادل بين الدول، وترابط المصالح، ومؤخراً عصر "العولمة". إلا أنه، ومنذ خمسينيات القرن العشرين، بدأ يظهر نوع آخر من الاستعمار، بصورة خجولة ومستترة، عُرف بـ"الاستعمار الجديد"، الذي يُعد امتداداً للاستعمار القديم سيئ السمعة. بل أثبتت الأحداث أن الاستعمار الجديد أشد فتكاً وأكثر خبثاً من سابقه، بالنسبة للدول التي ترزح تحته. فهو يتخفى وينتشر في الخفاء. ويعرف "الاستعمار الجديد" أو "الإمبريالية" بأنه السيطرة السياسية غير المباشرة لدولة قوية نسبياً على بلد آخر وسكانه، وإخضاع مقدرات ذلك البلد وسياساته لإرادة القوى الأجنبية، واستغلال إمكاناته المختلفة لصالح الدولة المهيمنة. وغالباً ما يتم ذلك عن طريق إدارة البلد المعني، وعن طريق وكلائها المحليين. ويرى بعض الكتاب أن "الاستعمار الجديد" يعتبر استعماراً غير مباشر، رغم أنه يعني فرض الهيمنة الاقتصادية والسياسية، بصفة رئيسية، وما يتبعها من نفوذ وسيطرة ثقافية واجتماعية.
تسعى الدول العظمى والكبرى جاهدة إلى أن تكون لها مستعمرات ومناطق نفوذ، خاصة في المناطق الحيوية، اقتصادياً واستراتيجياً، لتبقى في صدارة الدول الكبرى، وتضيف المزيد من القوة إلى ما لديها من نفوذ. ولذلك، تتسابق هذه الدول على هذه المناطق، لفرض هيمنتها وسيطرتها غير المباشرة على الدول الضحية. وغالباً ما تتم هذه السيطرة عبر تحكّم المستعمِر في سياسات المستعمَر، في إطار ما يعرف بالاستعمار الجديد.
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تتزعم حركة الاستعمار الجديد، ومعها بعض دول مجموعة السبع الكبار، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، بالإضافة إلى هولندا وبلجيكا وروسيا.
هناك من يرى أن هذا الاستغلال أمر مقبول وناجم عن طبيعة العلاقات الدولية، ولكن ماذا عن الضحايا؟ أليس من حقهم أن يقاوموا استغلال وابتزاز الآخرين لهم؟ فليس من حق الأقوياء أن يستغلوا الأضعف، ولكن من حق الدول المستغلة أن ترفض هذا الابتزاز، وتقاومه بكل ما أوتيت من قوة، خاصة أن القانون الدولي يضمن للدول حق الدفاع عن النفس، في حالة التعرض لأي عدوان، سواء كان ظاهراً أو خفياً. وهناك دول صغيرة عدة في العالم النامي رفضت مثل هذا الاستغلال، وتصدت له ببسالة وبكل ما تملك من وسائل، وحققت التحرر والاستقلال شبه التام، وحمت إمكاناتها المختلفة من النهب والابتزاز، فكسبت احترام نفسها واحترام الآخرين لها، بمن فيهم الدول المتسلطة.
صحيح أن الاعتماد الدولي المتبادل هو سمة العصر، ولا توجد دولة تستغني عن الدول الأخرى في سد احتياجاتها، ولكن الأصح أن هناك مصالح مشتركة فيما بين دول العالم، ولا يمكن لبلد أن ينغلق على نفسه خشية استغلال الآخرين له. فالشعوب الذكية هي التي تسعى لأن تفيد وتستفيد، لا أن تفيد وتتضرر، أو لا تستفيد على الإطلاق. إن قبول الاستغلال والاستعباد، من أي جهة أتى، ليس من شيم السلوك الإنساني والسياسي الدولي السليم.
تعتبر هذه الظاهرة الاستعمارية قديمة قدم التاريخ البشري والدول، وإن تباينت أشكالها وأساليبها عبر العصور والظروف المختلفة. إلا أن ظاهرة الاستعمار، في العصر الحديث والمعاصر، ارتبطت بشكل وثيق بحركة التوسع الأوروبي والغربي في مناطق العالم النامي، أو ما يعرف بالجنوب. فمنذ مطلع القرن السابع عشر الميلادي، شرع الأوروبيون في استعمار مناطق واسعة من العالم النامي، بالقوة العسكرية الغاشمة، وإخضاعها لحكمهم المباشر، وذلك بهدف استغلال إمكاناتها ومواردها المختلفة لصالح المستعمر الغربي. وقد أدت ظروف الحرب العالمية الثانية، وقيام منظمة الأمم المتحدة، بميثاقها الذي يدعو إلى تصفية الاستعمار، وضمان حق تقرير المصير لشعوب العالم، إلى توقف هذه الحركة الاستعمارية الظاهرة. ونتج عن رفض الاستعمار واستنكاره ومقاومته حركة تصفية دولية كبرى لهذا الاستعمار، الذي كان يعتمد على الاحتلال العسكري المباشر لبعض الدول والبلدان، وحكمها مباشرة لصالح المستعمِر، والذي يشار إليه الآن في أدبيات العلاقات الدولية بمصطلح "الاستعمار القديم".
وهكذا، انقضى عهد الاستعمار التقليدي، وبدأ عصر الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاعتماد المتبادل بين الدول، وترابط المصالح، ومؤخراً عصر "العولمة". إلا أنه، ومنذ خمسينيات القرن العشرين، بدأ يظهر نوع آخر من الاستعمار، بصورة خجولة ومستترة، عُرف بـ"الاستعمار الجديد"، الذي يُعد امتداداً للاستعمار القديم سيئ السمعة. بل أثبتت الأحداث أن الاستعمار الجديد أشد فتكاً وأكثر خبثاً من سابقه، بالنسبة للدول التي ترزح تحته. فهو يتخفى وينتشر في الخفاء. ويعرف "الاستعمار الجديد" أو "الإمبريالية" بأنه السيطرة السياسية غير المباشرة لدولة قوية نسبياً على بلد آخر وسكانه، وإخضاع مقدرات ذلك البلد وسياساته لإرادة القوى الأجنبية، واستغلال إمكاناته المختلفة لصالح الدولة المهيمنة. وغالباً ما يتم ذلك عن طريق إدارة البلد المعني، وعن طريق وكلائها المحليين. ويرى بعض الكتاب أن "الاستعمار الجديد" يعتبر استعماراً غير مباشر، رغم أنه يعني فرض الهيمنة الاقتصادية والسياسية، بصفة رئيسية، وما يتبعها من نفوذ وسيطرة ثقافية واجتماعية.
تسعى الدول العظمى والكبرى جاهدة إلى أن تكون لها مستعمرات ومناطق نفوذ، خاصة في المناطق الحيوية، اقتصادياً واستراتيجياً، لتبقى في صدارة الدول الكبرى، وتضيف المزيد من القوة إلى ما لديها من نفوذ. ولذلك، تتسابق هذه الدول على هذه المناطق، لفرض هيمنتها وسيطرتها غير المباشرة على الدول الضحية. وغالباً ما تتم هذه السيطرة عبر تحكّم المستعمِر في سياسات المستعمَر، في إطار ما يعرف بالاستعمار الجديد.
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تتزعم حركة الاستعمار الجديد، ومعها بعض دول مجموعة السبع الكبار، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، بالإضافة إلى هولندا وبلجيكا وروسيا.
هناك من يرى أن هذا الاستغلال أمر مقبول وناجم عن طبيعة العلاقات الدولية، ولكن ماذا عن الضحايا؟ أليس من حقهم أن يقاوموا استغلال وابتزاز الآخرين لهم؟ فليس من حق الأقوياء أن يستغلوا الأضعف، ولكن من حق الدول المستغلة أن ترفض هذا الابتزاز، وتقاومه بكل ما أوتيت من قوة، خاصة أن القانون الدولي يضمن للدول حق الدفاع عن النفس، في حالة التعرض لأي عدوان، سواء كان ظاهراً أو خفياً. وهناك دول صغيرة عدة في العالم النامي رفضت مثل هذا الاستغلال، وتصدت له ببسالة وبكل ما تملك من وسائل، وحققت التحرر والاستقلال شبه التام، وحمت إمكاناتها المختلفة من النهب والابتزاز، فكسبت احترام نفسها واحترام الآخرين لها، بمن فيهم الدول المتسلطة.
صحيح أن الاعتماد الدولي المتبادل هو سمة العصر، ولا توجد دولة تستغني عن الدول الأخرى في سد احتياجاتها، ولكن الأصح أن هناك مصالح مشتركة فيما بين دول العالم، ولا يمكن لبلد أن ينغلق على نفسه خشية استغلال الآخرين له. فالشعوب الذكية هي التي تسعى لأن تفيد وتستفيد، لا أن تفيد وتتضرر، أو لا تستفيد على الإطلاق. إن قبول الاستغلال والاستعباد، من أي جهة أتى، ليس من شيم السلوك الإنساني والسياسي الدولي السليم.
